المادة    
فعلى الإنسان أن يجتهد في أن يكون حسن الظن بالله طيلة عمره مع خوف الله ومحبته، وعند الموت يغلب حسن الظن، وهذا ما قاله بعض السلف أخذاً من هذا الحديث، وأشار إلى هذا ابن القيم في المدارج .
ولذا قال الشارح: (ولهذا قيل: إن العبد ينبغي أن يكون رجاؤه في مرضه أرجح من خوفه)، فلربما دعاه الخوف حال المرض إلى نوع من القنوط، وفي تلك اللحظات يأتيه الشيطان فيجده في تلك الحالة من عدم الرجاء فيقنطه من رحمة الله، لكنه إذا لقي الله وهو يحسن الظن به؛ فإن الله لا يخيب رجاءه، بل يجعله في المنزلة التي يظنها به.
قال: (بخلاف زمن الصحة فإنه يكون خوفه أرجح من رجائه)؛ لأنه لو ترجح الرجاء في زمن الصحة لكان ذلك أدعى إلى التواني والتكاسل في الطاعات، لكن إذا كان الخوف أرجح كان ذلك دافعاً إلى أن يجتهد، وأن يعمل وأن يشمر، وعليه فترجيح أحد الجناحين يراعى فيه الحال أيهما يكون أنفع.
فأقوال السلف دائرة بين من يفضل الأول ومن يفضل الآخر ومن توسطوا في الأمر فجعلوه كالدواء، فمن الناس من ينفعه الرجاء لأجل اشتداد خوفه، ويخشى عليه من القنوط، ومنهم من ينفعه الخوف لما هو عليه من الاتكال والتقصير.
ويبدو أن هذه الحالة -والله أعلم- هي التي يجب أن يستشعرها المؤمن دائماً، وأن المسألة ليست خلافاً حقيقياً؛ فالإنسان يجب عليه أن يستصحب الخوف والرجاء والحب في كل مرحلة من حياته، لكن إذا خشي على نفسه أن تزل أو تحيف إلى جانب فليوازن بالجانب الآخر، إلا ساعة الاحتضار عند الموت؛ ولذلك كان من آداب زيارة المحتضر أن يذكر بالخير، وبما أعد الله للمتقين، ويذكر بما عمل من أعمال صالحة، مع دعوته وترغيبه في التوبة وحسن الخاتمة؛ فإن ذلك أدعى إلى أن يلقى الله وهو يحسن الظن به، فيكون جزاء الله عند ظن العبد به؛ وبذلك يكون المرء قد عمل بكل الأحاديث، بحديث: ( أنا عند ظن عبدي بي )، وحديث: ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه ).
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.